كان الصباح هادئًا على عاصمة الخلافة بالكوفة للمرة الأولى منذ عقود ، كانت حملات تطهير الأرض من الأمويين الذين هربوا لمصر وما جاورها تسير على قدم وساق ، كان يومًا هادئًا على أبي جعفر المنصور الذي بدأ برسم دوائر غريبة على الأرض بشرود وتفكير عميق … كان صمته طويلًا وهو ينظر للدوائر التي يرسمها ويتأملها.
مرت بضع دقائق وهو على هذه الحال حتى دخل عليه رجل فارسي وقطع حبل أفكاره، كان مُمسكًا رسالةً بيد وخريطة بالأخرى ، تفاجأ منه كبير العباسيين وهو ينظر له باستغراب حتى قال الفارسي ‘ أرجو أن لا أكون قد دخلت عليك بساعة شغل يامولاي ‘ فرد عليه بصوته الثقيل المعتاد : ‘ إذا كانت مافي يدك تخبرنا عن الذهب فلست بمشغول يا أختر ‘
صمت الفارسي قليلاً ليستجمع نفسه ثم قال : ‘لقد أتتنا رسالة من جاسوسنا العباسي عن سرية بيضاء قصدت أرض العرب وتسير ربما إلى رابغ أو ما حولها ‘
– ‘سرية بيضاء ؟ كم عددهم ؟ ‘
– ‘خمس وعشرون أمويًا ومعهم أربعة غلمان * ‘
– ‘ وأين هم الآن ؟ ‘
فتح الفارسي الخريطة وبدأ يشير لشمال الجزيرة وهو يقول : ‘ على وصف العباسي فهم ربما بهذه الصحراء الآن حتى يتقابلوا كما ذكر … هو يطلب خمس مئة رجل لضمان إنهائهم قبل أن يمروا باليمامة ‘
-‘ وكيف نعلم مَن هم الأمويين ؟ ‘
-‘ من قماشهم الأبيض يامولاي ‘
أخرج الفارسي عقبها قطعة من قماش ناصع البياض وأعطاها لأبي جعفر الذي بدأ يقلبها مبهورًا من نصاعها ليبتسم ويقول : ‘ دعهم حتى يمروا مكة فيعتمروا عمرتهم الأخيرة قبل القصاص ‘
-‘ لكنهم كلاب العرب يا مولاي !! ‘
-‘ وماذا في ذلك ؟ ‘
-‘ أعني أن قتلهم مهم يا مولاي ، لماذا ننتظر ؟ حتى يصلوا إلى مرادهم ويشكلوا قوة في أرض العرب !! ‘
-‘ هؤلاء لن يكونوا خطرًا علينا فهم أقرب لجيوشنا ، الخطر من الأمويين الهاربين لمصر وما غربها فهم منا أبعد وخطرهم أبقى على خلافتنا الفتية ‘
-‘ لكنهم من أمية ! علينا أن نقتلهم لنبقى أينما كانوا ، ألم تعدوا يا بني العباس أن تنتقموا منهم أجمعين ؟! ‘
كانت كلمات أختر كفيلة بأن تجعل أبو جعفر العباسي يقترب إليه أكثر ويمد يده ويمسك كتف أختر ويضغطها بشدة ثم قال له : ‘ ومن أنت لتشكك برأيي ؟ أتظن أنك أعلم مني بما يخص أهل بيتي ؟ أتعلم إلى من تتكلم ؟! ‘
لم يحتمل أختر قوة قبضة العباسي الضاغطة على كتفه لينحني أمامه وهو يمسك بضعف يد أبو جعفر العباسي ويترجاه :’ اغفر لي ذنبي يا مولاي أرجوك ، أرجوك دعني ‘
تركه أبو جعفر ثم قال له : ‘ إنك لمحظوظ بأنني راض اليوم ، ولو أنك قلت مقولتك الحمقاء بيوم آخر لضربت عنقك واستبحت دمك ، اغرب عني قبل أن أفكر بأمرٍ آخر أفعله بك ‘
_____________
هامش
الغلمان : المعني فيها العبيد والموالي
________________________
لقراءة الفصل الرابع من سرية بيضاء ، الرجاء النقر على العنوان التالي
لا توجد آراء بشأن "سرية بيضاء : الفصل الثالث"